وقود صدمات الحياة
حياة الإنسان مسار طويل، هي منحني حكم عليه بالصعود والهبوط متأثراً بالأحداث الحياتية التي نصادفها كل يوم، نحن مجرد تلاميذ في مدرسة أرتنا وسترينا الكثير، وأعظم الدروس تلك التي تأتي مصاحبة للألم بعد الصدمة، ومن هنا سأبدأ مقالي هذا مستنداً إلى الخبرة التي اكتسبتها بعد تعرضي بشكل شخصي للعديد من الصدمات.
ما هي الصدمة النفسية؟

علمياً الصدمة النفسية هي الشعور بالعجزِ اتجاه موقف أو حدث استثنائي تسبب بالخوف، وينتج عنه عادةً الشعور بالضغط النفسي لفترات تختلف بحسب طبيعة الإنسان، ولا بد أن يكون له أثاره وترسباته النفسية مع الزمن.
شخصياً اختبرت هذه الأعراض بشكل عميق وتفصيلي وعلى مدار أسابيع عديدة تلت حدث قاسي واستثنائي مررت به، ومع الوقت بدأت أنظر للحدث على أنه وقود يملأ داخلي منتظراً شرارة لينفجر ويخلق إنسان جديد، ولربما طبيعتي المثابرة العنيدة ساهمت في خلق تلك النظرة، ولكنني مؤمن بأننا كبشر نمتلك نفس القدرات العقلية والجسدية ولكن بنسب متفاوتة وبالتالي ما أتكلم عنه قابل للحدوث مع أي شخص أخر.
الصدمة بدت وكأنها الرعد الذي سبق المطر، الشر الذي سبق الخير، والحياة تعطينا الخيار، إما أن نمتص هذا الوقود الحياتي ويحترق بصمت في داخلنا ويغير معالم داخلية ونفسية عميقة، أو أن نسمح له بأن يحترق ونستهلك كمحرك تزداد طاقته كلما قدمت له الوقود أكثر، وكما يقولون “في كل شر خير لا نراه” وتلك العقلية التي أتحدث عنها هي الخير في كل شر نمر به.
التجربة أفضل أساس
قد يبدو للبعض بأن كلماتي مجرد نوع من أنواع التحفيز الغير مستند لأي أساس علمي، أما أنا فأقول أن التجربة هي أفضل أساس لأي قول، وأنا هنا لا أقول بأنك لن تحزن، لا أقول بأنك لن تعاني نفسياً، أنت دون أي شك ستختبر العديد من المشاعر السلبية قبل أن تبدأ الانطلاق وهذا ضروري أيضاً، فتلك المشاعر هي المولد الرئيسي للوقود الذي تكلمت عنه، وأنا شخصياً لم انطلق إلا بعد معاناتي لشهرين متواصلين بعد إحدى الصدمات.
كيف نستثمر الوقود ما بعد الصدمة؟
هناك نظرية تقول بأن الإنسان بحاجة إلى21 يوم كي يكسب عادة جديدة، كذبها البعض ليقول بأن الإنسان بحاجة من 66 يوم حتى 90 يوم حتى يكسب عادة جديدة، هذا الاختلاف بعدد الأيام غير مهم، المهم هو أننا قادرون على كسر النمط السائد في حياتنا من خلال الممارسة والمواظبة على التقدم، وستتحول هذه العادات إلى أسلوب حيات جديد تخلقه في حياتك.

كسر النمط السائد في الحالة العادية ليس بالأمر السهل، فالإنسان بطبيعته يميل للاستقرار، ينجذب نحو منطقة الراحة، يرفض الخوض في أي تجارب جديدة حتى تجبره الظروف على ذلك، وهنا تكمن أهمية وقود ما بعد الصدمة، فهو المعلم والدافع والمحفز المجاني المتاح لعدة أشهر.
الرياضة، تنمية مهارة مدفونة، اكتساب خبرة جديدة، تعلم لغة جديدة، جميعها أنشطة من الممكن أن نبدأ بها في مرحلة ما بعد الصدمة، وبشكل شخصي أنصح الجميع بتعلم ممارسة التأمل، فالتأمل أقوى من السحر، هو البوابة التي من خلالها تستطيع الدخول إلى أعماق نفسك، وتعيد ترتيب البيت الداخلي لتخرج كل تلك الطاقة بطريقة إيجابية بعيدة كل البعد عن انفجار الطاقة السلبي والذي عادةً يتمثل بالسهر وشرب الكحول والتعاطي وفي بعض الأحيان قد يصل لحد أذية الأخرين.
لتحديد بشكل أدق الأنشطة أو المهارات التي من الممكن اكتسابها، علينا البدء بطريقة بسيطة متمثلة بقلم وورقة ندوّن عليها أهم الأنشطة والمهارات التي لطالما شغلت تفكيرنا ولم نبادر نحوها، نختار منها واحدة أو اثنتين ويفضل أن تكون إحداها نوع من أنواع الرياضة، أما في حال لم نمتلك قائمة الرغبات تلك، نستطيع تطبيق تقنية “العصف الذهني” بمشاركة صديق أو أحد أفراد العائلة، وهي تقنية بسيطة وسهلة التطبيق تستطيع البحث عنها عبر الإنترنت.
تذكر في النهاية بأن الحياة محطات منها الجيد ومنها السيء، والدروس لن تتوقف، والزمن سيعيد نفسه باستمرار ما لم تتعلم الدرس من كل تجربة سيئة تمر بها، فالحياة لن تصيب بمطرقتها إلى مواضع الخلل، فكن أكثر تيقظاً وقبولاً لكل ما يحدث من حوله.
قوة الصدمات.. كيف تغيّر حياة الإنسان؟
خاص: سامر ميهوب